فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{الر} قُرِئ بالتفخيم والإمالة وبين اللفظين، وكلها لغات صحيحة فصيحة.
ابن عباس والضحاك: أنا الله أرى، وقيل: أنا الرب لا رب غيري. عكرمة والأعمش والشعبي. الر وحم ون حروف الرحمن مقطعة. فاذا وصلت كان الرحمن. قتادة: اسم من أسماء القرآن. أبو روق: فاتحة السورة، وقيل: عزائم الله، وقيل: هو قسم كأنّه قال: والله إنّ {تِلْكَ آيَاتُ الكتاب}.
قال مجاهد وقتادة: أراد به التوراة والإنجيل والكتب المقدسة، وتلك إشارة إلى غائب مؤنث.
وقال الآخرون: أراد به القرآن وهو أولى بالصواب لأنه لم يخص الكتب المقدمة قبل ذكره ولأن الحكيم من بعث القرآن، دليله قوله: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود: 1] ونحوها فيكون على هذا التأويل تلك يعني هذه وقد مضى القول في هذه المسألة في أول سورة البقرة {الحكيم} المحكوم بالحلال والحرام والحدود والأحكام.
وقال مقاتل: المحكم من الباطل لا كذب فيه ولا اختلاف وهو فعيل بمعنى فاعل كقول الأعمش في قصيدته:
وعزيمة تأتي الملوك حكيمة ** قد قلتها ليقال من ذا قالها

وقيل: هو الحاكم فعيل بمعنى فاعل بأنه قرأ: نزل فيهم الكتاب بالحق {لِيَحْكُمَ بَيْنَ الناس فِيمَا اختلفوا فِيهِ} [البقرة: 213] وقيل: بمعنى المحكوم فيه فعيل بمعنى المفعول.
قال الحسن: حكم فيه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وحكم فيه بالنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي وحكم فيه بالجنة لمن أطاعه وبالنار لمن عصاه.
وقال عطاء: حكيم بما حكم فيه من الأرزاق والآجال بما شاء. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {الر} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: معناه أنا الله أرى، قاله ابن عباس والضحاك. والثاني: هي حروف من اسم الله الذي هو الرحمن، قاله سعيد بن جبير والشعبي. وقال سالم بن عبد الله: {الر} و{حم} و{ن} للرحمن مقاطع.
الثالث: هو اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة.
الرابع: أنها فواتح افتتح الله بها القرآن، قاله ابن جريج.
{تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} يعني بقوله: {تِلْكَ ءَايَاتُ} أي هذه آيات، كما قال الأعشى:
تلك خَيْلِي مِنْهُ وتلكَ رِكَابِي ** هُنَّ صُفْرٌ أَوْلاَدُها كالزَّبِيبِ

أي هذه خيلي.
وفي {الكِتَابِ الْحِكيمِ} هاهنا ثلاثة أقاويل:
أحدها: التوراة والإنجيل، قاله مجاهد.
الثاني: الزبور، قاله مطر.
الثالث: القرآن، قاله قتادة.
وفي قوله: {الحَكِيمِ} تأويلان:
أحدهما: أنه بمعنى محكم، قاله أبو عبيدة.
الثاني: أنه كالناطق بالحكمة، ذكره علي بن عيسى. اهـ.

.قال ابن عطية:

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)}
تقدم في أول سورة البقرة ذكر الاختلاف في فواتح السور، وتلك الأقوال كلها تترتب هنا، وفي هذا الموضع قول يختص به، قاله ابن عباس وسالم بن عبد الله وابن جبير والشعبي: {الر} {حم} [غافر: 1]، [فصلت: 1]، [الشورى: 1]، [الزخرف: 1]، [الدخان: 1]، [الجاثية: 1]، [الأحقاف: 1] و{ن} [القلم: 1] هو الرحمن قطع اللفظ في أوائل هذه السورة واختلف عن نافع في إمالة الراء والقياس أن لا يمال وكذلك اختلف القرّاء وعلة من أمال الراء أن يدل بذلك على أنها اسم للحرف وليست بحرف في نفسها وإنما الحرف ر، وقوله تعالى: {تلك} قيل هو بمعنى هذه وقد يشبه أن يتصل المعنى بـ {تلك} دون أن نقدرها بدل غيرها والنظر في هذه اللفظة إنما يتركب على الخلاف في فواتح السور فتدبره. و{الكتاب} قال مجاهد وقتادة: المراد به التوراة والإنجيل، وقال مجاهد أيضًا وغيره: المراد به القرآن وهو الأظهر، و{الحكيم} فعيل بمعنى محكم كما قال تعالى: {هذا ما لدي عتيد} [ق: 23] أي معتد معد، ويمكن أن يكون {حكيم} بمعنى ذو حكمة فهو على النسب، وقال الطبري فهو مثل أليم بمعنى مؤلم ثم قال: هو الذي أحكمه وبيّنه.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية رضي الله عنه: فساق قولين على أنهما واحد. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)}
فأما قوله: {الر} قرأ ابن كثير: {الر} بفتح الراء.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: {الر} على الهجاء مكسورة.
وقد ذكرنا في أول سورة (البقرة) ما يشتمل على بيان هذا الجنس.
وقد خُصَّت هذه الكلمة بستة أقوال:
أحدها: أن معناها: أنا الله أرى، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: أنا الله الرحمن، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثالث: أنه بعض اسم من أسماء الله.
روى عكرمة عن ابن عباس قال: الار وحما ونا حروف الرحمن.
والرابع: أنه قَسَمٌ أقسم الله به، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والخامس: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله مجاهد، وقتادة.
والسادس: أنه اسم للسورة، قاله ابن زيد.
وفي قوله: {تلك} قولان: أحدهما: أنه بمعنى هذه، قاله أبو صالح عن ابن عباس، واختاره أبو عبيدة.
والثاني: أنه على أصله.
ثم فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن الإِشارة إِلى الكتب المتقدمة من التوراة والإِنجيل، قاله مجاهد، وقتادة؛ فيكون المعنى: هذه الأقاصيص التي تسمعونها، تلك الآيات التي وصفت في التوراة والإِنجيل.
والثاني: أن الإِشارة إِلى الآيات التي جرى ذكرها، من القرآن، قاله الزجاج.
والثالث: أن {تلك} إِشارة إِلى {الر} وأخواتها من حروف المعجم، أي: تلك الحروف المفتتحة بها السُّوَر هي {آيات الكتاب} لأن الكتاب بها يتلى، وألفاظه إِليها ترجع، ذكره ابن الأنباري.
قال أبو عبيدة: {الحكيم} بمعنى المحكَم المبيَّن الموضَّح؛ والعرب قد تضع فعيلًا في معنى مُفْعَل؛ قال الله تعالى: {ما لديَّ عتيد} [ق: 23] أي: مُعَدٌّ. اهـ.

.قال القرطبي:

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)}
قوله تعالى: {الر} قال النحاس: قرئ على أبي جعفر أحمد بن شعيب بن علي بن الحسين بن حريث قال: أخبرنا علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد أن عكرمة حدّثه عن ابن عباس: الر، وحم، ونون (حروف) الرحمن مفرّقة؛ فحدّثت به الأعمش فقال: عندك أشباه هذا ولا تخبرني به؟.
وعن ابن عباس أيضًا قال: معنى الار أنا الله أرى.
قال النحاس: ورأيت أبا إسحاق يميل إلى هذا القول؛ لأن سيبويه قد حكى مثله عن العرب وأنشد:
بالخير خيراتٍ وإن شَرًّا فَا ** ولا أُريد الشرّ إلا أنْ تَا

وقال الحسن وعكرمة: الار قَسَم.
وقال سعيد عن قتادة: الار اسم السورة؛ قال: وكذلك كل هجاء في القرآن.
وقال مجاهد: هي فواتح السُّوَر.
وقال محمد بن يزيد: هي تنبيه، وكذا حروف التهجي.
وقرئ {الر} من غير إمالة.
وقرئ بالإمالة لئلا تُشبه ما ولا من الحروف.
قوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم} ابتداء وخبر، أي تلك التي جرى ذكرها آيات الكتاب الحكيم.
قال مجاهد وقتادة: أراد التوراة والإنجيل والكتب المتقدّمة؛ فإن {تلك} إشارة إلى غائب مؤنّث.
وقيل: {تلك} بمعنى هذه؛ أي هذه آيات الكتاب الحكيم.
ومنه قول الأعشى:
تلك خَيْلِي منه وتلك رِكابي ** هنّ صُفْرٌ أولادها كالزَّبيب

أي هذه خيلي.
والمراد القرآن وهو أولى بالصواب؛ لأنه لم يجر للكتب المتقدّمة ذكر، ولأن {الحكيم} من نعت القرآن.
دليله قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود: 1] وقد تقدّم هذا المعنى في أوّل سورة البقرة.
والحكيم: المُحْكَم بالحلال والحرام والحدود والأحكام؛ قاله أبو عبيدة وغيره.
وقيل: الحكيم بمعنى الحاكم؛ أي إنه حاكم بالحلال والحرام، وحاكم بين الناس بالحق؛ فعِيل بمعنى فاعل.
دليله قوله: {وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكتاب بالحق لِيَحْكُمَ بَيْنَ الناس فِيمَا اختلفوا فِيهِ} [البقرة: 213].
وقيل: الحكيم بمعنى المحكوم فيه؛ أي حكم الله فيه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وحكم فيه بالنهي عن الفحشاء والمنكر، وبالجنة لمن أطاعه وبالنار لمن عصاه؛ فهو فعيل بمعنى المفعول؛ قاله الحسن وغيره.
وقال مقاتل: الحكيم بمعنى المُحْكَم من الباطل لا كذب فيه ولا اختلاف؛ فعيل بمعنى مفعَل، كقول الأعشى يذكر قصيدته التي قالها:
وغريبةٍ تأتي الملوكَ حكيمةٍ ** قد قلتها ليقال من ذا قالها

اهـ.

.قال الخازن:

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)}
قوله: {الر} قال ابن عباس والضحاك معناه أنا الله أرى وقال ابن عباس في رواية أخرى: عنه الر وحم ون حروف الرحمن مقطعة وبه قال سعيد بن جبير وسالم بن عبد الله وقال قتادة: الر اسم من أسماء القرآن وقيل هي اسم للسورة وقد تقدم الكلام في معنى الحروف المقطعة في أول سورة البقرة بما فيه كفاية {تلك آيات الكتاب} المراد في لفظ تلك الإشارة إلى الآيات الموجودة في هذه السورة ويكون التقدير تلك الآيات هي آيات الكتاب وهو القرآن الذي أنزله الله إليك يا محمد وذلك أن الله وعده أن ينزل عليه كتابًا لا يمحوه الماء ولا تغيره الدهور.
وقيل: إن لفظة تلك للإشارة إلى ما تقدم هذه السورة من آيات القرآن.
والمعنى: أن تلك الآيات هي آيات الكتاب الحكيم، وفيه قول آخر أن المراد بآيات الكتاب الكتب التي قبل القرآن حكاه الطبري عن قتادة.
وروي عن مجاهد أنها التوراة والإنجيل فعلى هذا القول يكون التقدير أن الآيات المذكورة في هذه السورة هي الآيات المذكورة في التوراة أو الإنجيل والمراد من الآيات القصص المذكورة في هذه السورة وهذا وإن كان له وجه فهو ضعيف لأن التوراة والإنجيل لم يجر لهما ذكر قريب حتى يشار إليهما قيل: إن المراد من الآيات حروف الهجاء التي منها الر سميت آيات لأنها افتتاح السور وسر القرآن {الحكيم} يعني المحكم الحلال والحرام والحدود والأحكام.
فعيل: بمعنى مفعول.
وقيل: الحكيم بمعنى الحاكم فعيل بمعنى فاعل لأن القرآن حاكم يميز بين الحق والباطل ويفصل الحلال من الحرام.
وقيل: حكيم بمعنى المحكوم فيه فيعمل بمعنى مفعول.
قال الحسن: حكم فيه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى.
وقيل: إن الحكيم هو الذي يفعل الحكمة والصواب فمن حيث إنه يدل على الأحكام صار كأنه هو الحكيم في نفسه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{الر تلك آيات الكتاب الحكيم}
هذه السورة مكية إلا ثلاث آيات، فإنها نزلت بالمدينة، وهي فإن كنت في شك إلى آخرهن، قاله ابن عباس.
وقال الكلبي: إلا قوله ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به فإنها نزلت في اليهود بالمدينة.
وقال قوم: نزل من أولها نحو من أربعين آية بمكة، ونزل باقيها بالمدينة.
وقال الحسن وعطاء وجابر: هي مكية وسبب نزولها: أنّ أهل مكة قالوا: لم يجد الله رسولًا إلا يتيم أبي طالب فنزلت.
وقال ابن جريج: عجبت قريش أن يبعث رجل منهم فنزلت.
وقيل: لما حدثهم عن البعث والمعاد والنشور تعجبوا.
ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما أنزل: {وإذا ما أنزلت سورة} وذكر تكذيب المنافقين ثم قال: {لقد جاءكم رسول} وهو محمد صلى الله عليه وسلم أتبع ذلك بذكر الكتاب الذي أنزل، والنبي الذي أرسل، وأن ديدن الضالين وأحد متابعيهم ومشركيهم في التكذيب بالكتب الإلهية وبمن جاء بها، ولما كان ذكر القرآن مقدّمًا على ذكر الرسول في آخر السورة، جاء في أول هذه السورة كذلك فتقدم ذكر الكتاب على ذكر الرسول، وتقدم ما قاله المفسرون في أوائل هذه السورة المفتتحة بحروف المعجم، وذكروا هنا أقوالًا عن المفسرين منها: أنا الله أرى، ومنها أنا الله الرحمن، ومنها أنه يتركب منها ومن حم ومن نون الرحمن.
فالراء بعض حروف الرحمن مفرقة، ومنها أنا الرب وغير ذلك.
والظاهر أن تلك باقية على موضوعها من استعمالها البعد المشار إليه.
فقال مجاهد وقتادة: أشار بتلك إلى الكتب المتقدمة من التوراة والإنجيل والزبور، فيكون الآيات القصص التي وصفت في تلك الكتب.
وقال الزجاج: إشارة إلى آيات القرآن التي جرى ذكرها.
وقيل: إشارة إلى الكتاب المحكم الذي هو محزون مكتوب عند الله، ومنه نسخ كل كتاب كما قال: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} وقال: {وإنه في أم الكتاب} وقيل: إشارة إلى الراء وأخواتها من حروف المعجم، أي تلك الحروف المفتتح بها السور وإن قربت ألفاظها فمعانيها بعيدة المنال.
وهي آيات الكتاب أي الكتاب بها يتلى، وألفاظه إليها ترجع ذكره ابن الأنباري.
وقيل: استعمل تلك بمعنى هذه، والمشار إليه حاضر قريب قاله ابن عباس، واختاره أبو عبيدة.
فقيل: آيات القرآن.
وقيل: آيات السور التي تقدمّ ذكرها في قوله: {وإذا ما أنزلت سورة} وقيل: المشار إليه هو الراء، فإنها كنوز القرآن، وبها العلوم التي استأثر الله بها.
وقيل: إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآيات والكتاب السورة.
والحكيم: الحاكم، أو ذو الحكمة لاشتماله عليها.
وتعلقه بها، أو المحكم، أو المحكوم به، أو المحكم أقوال. اهـ.